وصايا رسول الله عليه الصلاة والسلام
وصية عامة للمسلمين
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم :
((اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ : شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ ،
وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ ))
الراوي: عبدالله بن عباس المحدث: الألباني - المصدر: صحيح الترغيب - الصفحة أو الرقم: 3355
خلاصة حكم المحدث: صحيح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك
أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا إتباعه ، و أرنا
الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الأخوة المؤمنون :
قال تعالى:
﴿وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (63)﴾[ سورة النساء ]
الحديث الذي روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل يعظه :
(( اغتنم خمساً قبل خمس ، شبابك))
أكثركم من الشباب ، ولكنكم والله وأنا لا أحنث بهذا اليمين لا تعرفون قيمة الشباب ولا يعرف قيمة الشباب
إلا الشيوخ ، إلا الكهول ترى الشاب خالي الهم من آلاف الموضوعات ، انظر إلى حياة الشيخ يعنيه ضغطه
ويعنيه دسامات قلبه ، وتعنيه مرارته وبحصتها وكليتاه وضعفهما ، ويعنيه قلبه ، ويعنيه دماغه ، ويعنيه آلام
في مفاصله ، تارةً يبحث عن تحليل ، وتارةً يبحث عن طبيب ، يعني مجموعة كبيرة جداً من الهموم ، الشاب
مرتاح منها ، هل يخطر على قلب الشاب في السنة مرةً أن في قلبه خللاً ؟ إطلاقاً فهذا العمر الفارغ من الهم ،
الفارغ من الضعف ، الفارغ من المقلقات ، ألا ينبغي أن يستغل في طاعة الله ، في معرفة الله ، في حفظ كلام
الله ، في الدعوة إلى الله ، في حضور مجالس العلم ، في التزود بالعلم ، في نشر العلم ، في ملازمة أهل الحق .
اغتنم هذا السن ، سن العطاء ، سن البناء ، سن الاندفاع ، سن الإرادة القوية ، سن البطولة ، ألا تغارون
من سيدنا أسامة بن زيد سبعة عشر عاماً عينه النبي قائداً لجيش فيهم أبو بكر ، وفيهم عمر وعثمان ، وعلي
هذا الشباب ، الإسلام يعتز بالشباب وقد أقول لكم يعني لا تبنى نهضة أمة إلا على الشباب ولا ينتشر هذا
الدين إلا على أيدي الشباب ، ولا يرجى لهذه الأمة أن تعود إلى سابق عهدها من قيادة الأمم إلا الشباب
طاقة ، اندفاع ، فراغ ، صفاء ، قيم ، مبادئ لو نظرت إلى إنسان تقدمت به السن انكفأ على نفسه ، همومه
كلها ذاتية ، يعني أصبحت همومه أكثرها في صحته ، وبعضها في أولاده وزوجات أولاده ، وتأمين حاجات
أسرته ، والتوفيق بين دخله وبين مصارفه ، لكن الشباب لا يفكر في هذه الموضوعات ، فالنبي عليه الصلاة
والسلام يقول
( اغتنم خمساً قبل خمس)).
أخطر ما في هذا الحديث أن الشباب لا يدوم ، يعني الشباب ينسى أن الشباب مؤقت يظن أنه دائماً نشيط ، دائماً
فارغ الهم ، فارغ البال ، دائماً مندفع ، دائماً يقفز قفزاً على الدرج ، قد يأتي يوم درجةً درجة ، وقد يأتي يوم
يباع البيت بسبب أنه مرتفع ، وقد يأتي يوم يحتاج إلى من يعينه للصعود ـ يحتاج إلى عكاز ـ فأخطر ما في
الموضوع الشباب لا يدوم ، فإذا كان لا يدوم كيف تستغله ؟ بقيل وقال ، في لعب ، في حركات عشوائية ، في
نشاط سخيف ، في الغيبة ، في مزاح رخيص ، في نزهات فارغة ، الله عز وجل قال :
﴿وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً (17)﴾[ سورة نوح ] والنبات شاهد ، انظر إلى البرعم ، زهر ، ورق ، ثمر
اصفرار ذبول ، حطبة ، وهكذا الإنسان ، من هو البطل ؟ البطل هو الذي يصل بعقله إلى ما سيكون ، من
هو الطالب المتفوق ؟ هو الذي يتخيل الفحص طول العام الدراسي ، الفحص ماثل أمامه طوال العام الدراسي
من هو الذكي ؟ هو الذي يعد كل العدة لساعة لقاء الله عز وجل ، يعد العدة لساعة لكي لا يصعق فيها ، لئلا
يصيح صيحة لو سمعها أهل الأرض لصعقوا ، يصيح الكافر صيحةً عند الموت لو سمعها أهل الدنيا لصعقوا .
مركز الثقل في هذا الحديث كل شيء لا يدوم كأنه انقضى ، اركب سيارة الوقت محدود مهما طال السفر نجد
في المحطة الأخيرة تفضل وانزل ، وأنت راكب مركبة رجل قطع نصف الطريق ، ربع الطريق أربعة أخماس
الطريق ، يوجد محطة أخيرة .
فأول نقطة في هذا الدرس الشباب لا يدوم ، وما دام الشباب لا يدوم كيف نستغل هذه الفترة المتألقة من
حياة الإنسان ؟
لماذا لا تحفظ القرآن ؟ العلم في الصغر كالنقش على الحجر والعلم في الكبر كالكتابة على الماء يعني إذا
الإنسان ما أتيح له أن يحفظ وقد بلغ به سنه درجةً عاشرةً فلينصح الشباب أن يحفظوا ، هذا الوقت هو أنت
الوقت هو أنت هذه الكلمة ما رأيت كلمةً أبلغ منها .
الإنسان بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه ، مامن يوم ينشق فجره إلا وينادي يا بن آدم أنا خلق
جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإن لا أعود إلى يوم القيامة لا تنسى أن الإنسان يوم القيامة ولو كان
مؤمناً ، لو دخل الجنة لا يندم إلا على ساعةٍ مضت لم يذكر الله فيها .
قرأت مرة كلمة ، لو أن الدنيا كلها بيد إنسان وجاءه الموت ودفعها كلها من أجل أن يمد في أجله ساعة
واحدة ليصلي بها ركعتين لله عز وجل لما استطاع ، قال تعالى :
﴿فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (49)﴾[ سورة يونس ]
أحد العلماء مر بمقهى رأى فيه أناساً يلعبون بالنرد ، فتنهد وقال يا سبحان الله لو أن الوقت يشترى من
هؤلاء لاشتريته منهم ، ترى المؤمن يقول ياريت اليوم خمسين ساعة ، طموحه أن يحفظ القرآن أن يـقرأ
الكتـاب الفلاني ، يحـظر هذا المجلس يتابع هذا الموضوع يتعلم تجويد ، يتعلم فقه ، يتعلم أصول الفقه ،
يتعلم تاريخ التشريع يعرف كيف يكون داعية ، يتعلم الخطابة ، يتعلم كيف يكون إنساناً منيراً للآخرين وعنده
مشاغل بيتية يقول لك لو أن النهار خمسين ساعة ، وترى أشخاص يقتلون الوقت قتلاً ، يمضون أوقاتهم
في موضوعات سخيفة لذلك قال عليه الصلاة والسلام
( اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك)).
يوجد قوانين ثابتة ، أنت ما آذيت ولا عبد من عبادي ، ولا استغليتهم ، ولا ابتزيت أموالهم ، خدمتهم
نصحتهم ، رحمتهم ، وأنا سأرحمك ، وأنا سأعلي قدرك ، سأرفع مكانتك ، ســأهيئ لك كل العيش الكريم
لـه مكانته ، وبيته ، وأولاده ، وأصهاره ، ومركبته ومصيف ، عاش معززاً مكرماً ، ما أكل قرشاً حراماً
في حياته ولا أذى إنساناً كل شيء في حسابه ، لو إنسان عنده وقت ، أو عنده إمكانية يفهم هذه التفاصيل
كل إنسان له قصة مع الله ، وسوف ترى من قصص الناس العجب العجاب ، الله عز وجل يعامل العباد بأدق
التفاصيل ، ما من عثرة ولا اختلاج عرق ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله أكثر .
هذا الكلام للشباب ونحن تجاوزنا ، شبابك ، والإنسان من شب على شيء شاب عليه ، أيام تلاحظ ، رجل
قال لي : أنا مضيت ذهب وقتي ، قلت له : ما شاء الله حولك ، فقال : العداد قلب والدولاب مسح ، عبر
عن كبر سنه أن العداد قلب والدولاب مسح تلاحظ إنسان تتكلم معه عشر سنوات تنتهي يقول : أعطوني
الطاولة لنلعب ، ما فهم شيء ، الإنسان بشبابه يوجد عنده وعي ، إدراك بعد الخمسين يتكلس عقله يقول
لك خشب ، يسمع ويهز رأسه وهو هو لا يغير ولا يبدل ، عاداته ، مزاحه ، لقاءاته ، الاختلاط ، هوَ هو
لا يغير شيء في حياته ، لذلك من بلغ الأربعين ولم يغلب خيره شره فليتجهز إلى النار ، معنى هذا أنه فلس
الشاب معجونة ، الشباب حديد حامي على أي طرقة تجلس ، الشباب غصن نضر كيف ما تريد أن تحركه ،
أما الشيخوخة خشبة يابسة انتهى .
فلذلك أنا أقول الشيخوخة التي سبقها معاصي أما شيخوخة المؤمن أجمل من الشباب لأنه جمع بين الحكمة
والاندفاع ، أكثر شيء في الشباب الاندفاع ، والشيخ أكثر شيء فيه الحكمة ، أنت انظر إلى إنسان مؤمن
متقدم في السن من فلتات الدنيا لأنه جمع بين حكمة الشيوخ وبين اندفاع الشباب ، وأنا أقول لكم كلام وأعني
ما أقول : المؤمن لا يشيخ أبداً ، ولكن ترى في هويته ولد سنة ألف وتسع مائة وعشرة ، ولكن يبقى شاب ،
الإيمان من طبيعته أن يبقي الإنسان شاب دائماً والسبب ؟ يوجد سبب واضح جداً أن الإنسان مادام له هدف
لم يصل إليه يوجد عنده حيوية ، الطالب إذا دخل الثانوي يقول لك كان عندنا أستاذ واحد لا يوجد غيره ست
ساعات ملينا منه ، هنا أستاذ رياضيات ، أستاذ فيزياء ، أستاذ كيمياء ، عربي ، يذهب إلى الجامعة يقول لك
أنا طالب جامعي صرت ، يوجد عنده محاضرة مساءً ، صباحاً ، غير ترتيب ، إن أخذ لسانس يمشي بالعرض
على جمعة زمان ثم يمل منها ويصير هذا طبيعي ، لم يتزوج عندما يتزوج دخل إلى عالم جديد ويظن أن الزواج
هو جنة الدنيا ، وبعد هذا يراه جحيم الدنيا أحياناً ، يأتيه ولد يفرح به ، ثم كبر الولد يريد أن يزوج ابنه ، يمشي
بأطوار ، متى الإنسان تنتهي سعادته ؟ عندما تنتهي كل آماله ، هذا بيته ، وهذه زوجته وأولاده ، ودخله انتهى
الآن تبدأ متاعبه ، يعني مادام أهدافك استوعبتها وصلت لها ، انتهت سعادتك وصار ملل ، أنت يجوز تستغرب ،
اجلس مع رجل معه ألف مليون ، انظر كيف يقرف ويقرف ، مالل ، عد مع رجل واصل إلى أعلى منصب تراه مل
خمس هواتف ، وعشر موظفين وهو كله ملل وقرف هذه الحالة أساساً ، كل شيء يمل في الدنيا ، خذ بين أربع
مائة متر أربع جهات ، شهر ، شهرين وبعد هذا طبيعي جداً .
هكذا طبيعة الدنيا ، طبيعة الدنيا لها بريق سريعاً ما يزول ، الزواج فترة ، تراه على الهاتف ثلاث ساعات
الخطيب مع المخطوبة أربع ساعات لا يمل ، تأتي إلى عنده إلى البيت وتصبح زوجته ، أين ذاهب اليوم ؟
اليوم عندي سهرة ، كنت لا تستطيع أن تفارقني لحظة الآن يريد فقط أن يفارقها ، هكذا طبيعة الحياة ، كل
شيء يمل إلا إذا عرفت الله ، لماذا أنت في شباب دائم ؟ لأنك إذا عرفت الله ، الله لا نهائي مهما سعيت إليه
هو عظيم ، وبعيد المنال ولكن يعطيك شيء كثير ، إذاً أنت إذا جعلت أهدافك ماديةً ، محدودةً أصبت بالضجر
والملل ، أما إذا جعلت أهدافك روحيةً ، قدسيةً ، علويةً ، إلهيةً شعرت في شباب دائم .
في استنبول يوجد قبر أبي أيوب الأنصاري أليس كذلك وأشهر أحياء استنبول حي الأيوب له اسم معين ، سيدنا
أبو أيوب الأنصاري حمل على حمالة في أثناء الجهاد ، كانت سنه أضعف من أن يمشي على قدميه ، ما هذا
الشباب ؟ قال تعالى :﴿انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً﴾[ سورة التوبة ]
حتى الذي تقدمت به السن مأمور أن يجاهد لأن المؤمن شاب دائماً أنا أعني ما أقول إذا خالط الإيمان مشاشة
قلبك فأنت شاب حتى آخر لحظة في حياتك وهذا الشباب شباب أن الأهداف التي تسعى إليها أكبر بكثير من
حياتك ، المؤمن أهدافه مقدسة ، خرج من ذاته خرج من أموره الشخصية اليومية ، أهل الدنيا مقبورون في
شهواتهم وفي مصالحهم الذاتية لا يوجد عنده شيء ، همه كله مصالحه اليومية أما المؤمن همه الآخرين .
((اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك))
يعني قريب من المعنى ، الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى ، إذا إنسان أصيب بمرض
لا سمح الله كل ما رأى شخص في الطريق هذا المرض بريء منه ، لا يوجد عنده هذه المشكلة ، والمريض
يظن أن مرضه أصعب شيء ، والأمراض كلها صعبة ، إذا كان مرض جلدي صعب ، إن كان بالكليتين صعب
إن كان بالهضم صعب ، إن كان بالعصاب صعب ، إن كان بالعضلات صعب ، الشلل صعب ، الرجفان صعب
القرحة صعبة ، التهاب الزائدة ، تشمع الكبد ، ضيق الشرايين صعب ، الضغط العالي صعب هات لي مرض
سهل كله صعب ، لكن كل مريض يظن أن مرضه أصعب الأمراض وكلما وقعت عينه مريض على صحيح
قال : ياريتني مكانه ، تخرج من أعماق قلبه .
والله لي صديق وقلت لكم هذه القصة سابقاً ، صديق صديقي يحمل دكتوراه بالجيولوجيا وعين بمرتبة
قريب من وزير من وزارة من وزارات الدولة المهمة ، وله بيته ، ومركبته ، وزوجته الفرنسية ومكانته ،
وفهمه وذكاؤه ، فقد بصره في شبابه طبعاً خلال شهر أو شهرين جاملوه ثم سرحوه ، على مدة شهرين
يرسلون له البريد إلى البيت مع موظف ويقول له : يا سيدي هذه المعاملة هكذا ماذا التوجيه؟ يقول له
اكتب كذا موافق أو عدم موافق ، شهرين ثم سرحوه قال لصديقي : والله يا دكتور أتمنى أن أجلس على
الرصيف أتكفف الناس ولا أملك من الدنيا إلا هذا المعطف على كتفي وأن يرد إلي بصري .
مرة التقيت مع إنسان غني ، ومسرف ، تأفف وقال لي ما هذه البلد؟ إذا الإنسان ما كان دخله في الشهر
مائتين ثلاثمائة ألف كيف يعيش في هذه البلد ؟ لا يعاش بها إلا بمائتي ألف ، هذه كلمة كبيرة يا أخوان
أصيب بمرض عضال قال لأحد عواده بالحرف الواحد : يا فلان الإنسان يكفيه ألف ليرة بالشهر ، رضي
بألف ، ماذا يقصد ؟ يعين يا ليتني ترد إلي صحتي ودخلي ألف واحد بالشهر ، من مائتي ألف ، هذه صحتك
قبل سقمك الإنسان هل يملك صحته ؟ لا يملكها الإنسان مادام صحيح ويتحرك ، والإنسان عندما يقعد ثقيل
أما بالحركة خفيف ، احمل رجل مغمى عليه يظهر أن وزنه خفيف لا يتحرك معك يمكن إنسان أن يشعر
بألم في ظهره إذا رفعه ، معنى هذا أن الإنسان بالحركة خفيف أما إذا أصابه فالج يصير ثقيل وثقيل بالمعنى الآخر .
(( " اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك..))
مادام الصحة طيبة تحرك إلى المساجد ، والله يوجد أخوان يتمنوا أن يحضروا درس علم ، كل درس
بعشرة آلاف ليرة حيل بينهم وبين هذه الدروس لأسباب صحية قالوها والله ، والله عز وجل أن يمتعه
بصحته ويحضر هذه الدروس .
قدم لنفسك خيراً وأنت مالك مالك ** من قبل أن تصبح فرداً ولون حالك حالك
ولست والله تدري أي المسالك سالك ** إما لجنة عدن أو في المهالك هالك
قال : هي الدنيا تقول بملء فيها حذار حذارِ من بطشي وفتكي فلا يغركم مني ابتسام فقولي مضحك
والفعل مبكي .
لي أصدقاء أطباء لنا جلسة معهم من حين لآخر يحدثوني عن حالات المرضى قبل أن يأتيهم الموت فزع
إذا إنسان إيمانه ضعيف بالله كل دنياه في هذا البيت إلى ـ باب صغير ـ أربع مائة متر كله مزين الرخام
والترتيبات ، والله أسمع منهم وصف لا يصدق تراهم مثل الأطفال صار عندهم ذعر ، في الآخرة لا يوجد
شيء ، ما ترك شيء ، ما صلى فرض بحياته ، ووجد نفسه معه أزمة قلبية وتخطيط خطير جداً ، الطبيب
تحول وراجع التخطيط مرتين ثلاثة ، وقال القضية تحتاج إلى مستشفى وإلى عناية مشددة ، ويجب أن
تعتنوا كثيراً ، ورأى هذا البيت كيف تعب به جداً ثم ـ باب صغير ـ والله مشكلة .
فلا يغركم مني ابتسام فقولي مضحك والفعل مبكي ، لا ترى إنسان مات ووضع في النعش لا تعرف ما
أحواله وهو بالنعش ما ترك من ذنوب ، وما عليه من حقوق ، وما فعل فتن ، ما أفسد الناس من
ظلمهم ، من أفسدهم ، من أذلهم ، وأضلهم ، من كذب عليهم البطولة أن تعد العدة لهذه الساعة ، في
كلمة لطيفة جداً قال : دار أنت إليها تسير أقرب من دار أنت عليها ترحل .
اركب من حمص إلى دمشق تقطع من حمص عشرة كيلو متر أنت أقرب إلى الشام مع أنه بقي مائة
وخمسين ، مادام متجه نحو الشام فأنت أقرب إليها ، كل ما مضت ثانية ابتعدت عن حمص واقتربت إلى الشام .
قال : ودار أنت إليها تسير أقرب من دار أنت عنها ترحل . بربكم من بلغ الأربعين أليس هو أقرب إلى
الآخرة من الدنيا ، يعني في أحسن الأحوال إلى الستين بقي نصف المسافة ، قطع الثلثين شطح به
حظه إلى السبعين ما شاء الله ، أقل مما مضى ، إلى الثمانين قد ما مضى ، فلذلك هذا سؤال محرج ،
سؤال مزعج ، دائماً الأبطال يواجهون الحقائق المرة قبل أن تواجههم ، يفارقوا الدنيا قبل أن تفارقهم ،
يتخلوا عنها قبل أن تتخلى عنهم ، يعرفون حجمها في الوقت المناسب قبل أن يعرفون هذا الحجم بعد
فوات الأوان ، يعرفون قيمة الدنيا وهم فيها قبل أن يعرفوا قيمتها وقد تركوها ، هذه البطولة ، البطولة
أن تعرف الأمر قبل أن يأتي الأمر ، انظر العالم كله يقول لك : إنه يخطط إلى عام ألفين ، دول بالمقياس
العصر الراقي دائماً التخطيط إلى عام ألفين ، يقول لك السكان ، الخدمات ، المياه الصرف الصحي ، الطعام
، الغذاء ، التلوث ، دائماً التخطيط لسنة ألفين ، هذه الدول المتقدمة بمقياس العصر ، دول بينَ بين تعالج
مشكلاتها ، والدول المتخلفة تتكلم عن ماضيها ، نحن ... واقعها سيئ جداً وتتغنى بماضيها ، أناس في
الماضي ، وأناس في الواقع وأناس في المستقبل .
وقصة الثلاث سمكات معروفة عندكم ، صياد رأى ثلاث سمكات قال : كيسة ، وأكيس منها ، وعاجزة ـ
بليدة ـ القصة رمزية ، مر الصياد مع صديقه تواعدا أن يرجعا ومعهم شباكهما ليصيدا ما فيه من
السمك فسمع السمكات كلامهما ، قال : أما أكيسهن ، أذكاهن أعقلهن ، فقالت : العاقل يحتاط للأمور قبل
وقوعها ، فلم تعرج على شيء حتى خرجت من المكان التي يدخل منه الماء من النهر إلى الغدير فنجت ـ
يوجد غدير موصول بنهر فهذه الذكية جداً سمعت قول الصياد لصاحبه السمكات ظراف للغذاء ، فهذه الذكية
خرجت من الغدير ـ أما الأقل عقل الكيسة فبقيت في مكانها حتى عاد الصيادان يوجد إهمال فذهبت حتى
تخرج من حيث خرجت صديقتها فإذا في المكان قد سد ، أول عمل سدوا الثقب الصيادان ، فقالت : فرطت
وهذه عاقبة التفريط ، هذا التقصير ، غير أن العاقل لا يقنط من منافع الرأي ثم أنها تماوتت وطفت على
وجه الماء فأخذها الصياد فوضعها على الأرض بين النهر والغدير فوثبت في النهر ونجت ـ ضحكت
على الصياد ـ وأما العاجزة فلم تزل في إقبال وإدبار حتى صيدت تقول أنا بنت فلانة ، ولكنها صيدت وأكلت .
كيس جداً عاقل جداً ، أقل عقل ، غبي ، الكيس جداً للمستقبل دائماً ساعة اللقاء مع الله ، قال لي أحدهم :
أخذنا محضر وعملنا في المزاد تمثيلية ، يعني دخل أناس كلهم من طرفه ورفعوا سعر بسيط جداً حتى رسى
على سعر قليل جداً ، ولكن في بالمحضر أيتام وأرامل ، المحضر يساوي سبع مئة ألف رسى بأربع مائة
ألف ، أحد أخونا عنده محل قال لي : هذا المحضر لا يعجبني آكل هم هذه الجورة ، قلت له : أنت أجبت
معك حق ، كيف سوف أواجه ربي أني أستطعت أن أخلصه بأربع مائة عوضاً عن سبع مائة ويوجد
أيتام وأرامل ، قلت له : إما أن تدفع الفرق لأصحابه وإما أن تنسحب من هذا المشروع ، وهذا الذي
فعله بعد حين .
فالإنسان يجب أن يتذكر نزلة القبر ، كيف سيواجه الله عز وجل قال تعالى :
﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ﴾[ سورة فصلت ]
اعمل وكثر ، قال تعالى :﴿إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ (25) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ (26)﴾[ سورة الغاشية ]
رجعوا وتركوك ، وفي التراب دفنوك ، ولو بقوا معك ما نفعوك ولم يبقَ لك إلا أنا وأنا الحي الذي لا يموت .
أنا ما رأيت أذكى من إنسان حسن العلاقة مع الله ، مع الله عامرة من باب استقامته ، كلهم عباده لا يغش
إنسان ، ولا يؤذي ، ولا يدلس ولا يكذب ، ينصح كأنها له ، يارب هل يرضيك ذلك ؟ هل أنت راض عني
، كلهم عبادك وأنا أخدمهم جميعاً حباً بك ، هذا هو الدين الناس فهموا الدين صلاة شكلية ، وفهموا الدين
صيام شكلي ، ونسوا أن الدين استقامة ، صدق ، أمانة ، وقف عند حدود الله عز وجل .
سيدنا أبا الدرداء وقف ذات يوم أمام الكعبة ثم قال لأصحابه : أليس إذا أراد أحدكم سفراً يستعد له بزاد ؟
قالوا : نعم ، قال : فسفر الآخرة أبعد مما تسافرون ، فقالوا : دلنا على زاده ، قال : حجوا حجةً لعظائم
الأمور ، وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور وصوموا يوماً شديداً حره لطول يوم النشور .
سيدنا علي يقول : من أمضى يومه في غير حق قضاه ، أو فرض أداه ، أو مجد بناه ، أو حمد حصله ،
أو علم اقتبسه ، فقد عق يومه وظلم نفسه .
قال : يا ابن آدم لا تغتر بشبابك ، فكم من شاب سبقك إلى الموت ـ لا يوجد في حياتنا الآن بهذه
السنتين شباب ماتوا بالثلاثين ، بالخمسة وعشرين ، يوم عرسه ، طلع على السطوح ليضبط هوائي
التلفزيون ما رجع ، بعد يومين عرسه ، كثير في قصص ، نوع من الوهم يقول أنا شاب مازلت ،
من قال لك ذلك ؟
((" اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك))
الذي عنده زوجة اليوم حامل ، واليوم تتوحم ، واليوم تحتاج إلى طبيب ، واليوم لا تستطيع ، واليوم
معها آلام مفصلية ، وإذا جاءه ولد اليوم حرارته أربعين ، واليوم ظهروا أسنانه ، كلما تأتيك زوجة ولد
، ولدين ، ثلاثة ، ترى الهموم لا تلحق أن تحل مشاكل ن ابنك في المدرسة أرسلوا يريدونك ، مقصر
، يحتاج إلى مدرس خاص ابنتك لها مشكلة مع الآنسة اذهب وقابل المدرسة ، زوجتك تشكو تحتاج
إلى صورة طبقية ، تسأل أين الصورة الطبقية تحتاج إلى ثلاث آلاف ليرة ، ترى نفسك من مستشفى
إلى عيادة ، مدرسة ، روضة تحتاج إلى واسطة لابنتك حتى يقبلوها في الحضانة ، دبر واسطة .
((" ... وفراغك قبل شغلك ..." ))
كلما كنت شاب أكثر تكون فارغ والوقت طويل ، إذا شاب سهر مع أصدقائه لا أحد يحاسبه أما إذا كان
متزوج يوجد علقة أمامه أين أنت إلى الآن ؟ يوجد مسؤول ، هذا معنى الفراغ قبل الشغل .
قال : دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان فاعمل لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثانِ .
في أبيات لطيفة :
سيصير المرء يوماً جسداً ما فيه روح
أنا والله أشعر إذا إنسان يتغسل ، يوجد مرة سوف أنت لن تتغسل بل تُغسل ، هذه لابد منها ، إذا مرة
يفرك يديه في مرة غيره سوف يغسله والماء قد تكون ساخنة زيادة لا يهمه يقول لك هذا ميت ، مع أن
السنة أن يكون الماء معتدل كأنه حي ، ولكن لا يهتموا لذلك منظر التغسيل منظر كثير مؤثر ، لما يضبوا
الرجلين ويربطها ويعقدها ، وضب اليدين ، صره صر ووضعه بالنعش ، فلذلك :
سيصير المرء يوماً جسـداً ما فيه روح
بين عيني كل حـي علم الموت يـــلوح
كلنا في غفلـــة والموت يغدو ويروح
انزل إلى الطريق كم نعوة في الطريق ، مرة سألت أخ في دفن الموتى قلت له كم ميت عندك في اليوم ؟
وكيف الموسم هذه السنة ؟ قل لي يوجد خمسين ميت كل يوم في الشام والنعوات لعشرين أما الثلاثين
بلا نعوات ، بالإعلام بالمآذن .
كلنا في غفلـــة والموت يغدو ويروح
نُح على نفسـك يا مسكين إن كنت تنوح
لتموتن وإن عمرت ما عمر نـــــوح
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذي العزة والجبروت ، الليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر والعمر مهما
طال فلابد من نزول القبر .
النبي الكريم سئل :
((عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ، قَالَ :
فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ ؟ قَالَ: أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولَئِكَ الأَكْيَاسُ "))[ ابن ماجة ]
الأفضل من كانت أخلاقهم فاضلة ، أما الأذكى أكثرهم للموت .
((" عَنْ هَانِئٍ مَوْلَى عُثْمَانَ قَالَ : كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ لِحْيَتَهُ فَقِيلَ لَهُ
تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَلا تَبْكِي وَتَبْكِي مِنْ هَذَا قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ
مَنَازِلِ الآخِرَةِ فَإِنْ نَجَا مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا قَطُّ إِلا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ ")) [ ابن ماجة ـ الترمذي ]
إن نجوت كل ما بعد الموت أهون من الموت ، وإن لم تنجو كل ما بعد الموت أصعب من الموت .
((اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك وفراغك قبل شغلك وغناك قبل فقرك "))
إذا معه مال إذا أنفق بعضه في طاعة الله يرقى ، أما إذا اختفى المال ذهب المال منع من عمل كان من
الممكن أن يرقى به .
أيها الأخوة الأكارم :
سيدنا عمر رضي الله عنه ، قال : كان يخاف من لقاء الله خوفاً شديداً ، قلت البارحة نقطة أن حجم
خوفك من الله بحجم معرفتك به مؤشر الخوف يدل على مؤشر المعرفة ، فكلما ازدادت معرفتك ازداد خوفك
، وكلما قلت معرفتك قل خوفك ، رأس الحكمة مخافة الله .
كان يخاف من لقاء الله خوفاً شديداً ، وكان دائم البكاء لدرجة أنك ترى على وجهه خطين أسودين من
كثرة انحدار الدموع ، كان يقول ليت أمي لم تلدني ، وليتني شعرة في صدر أبي بكر ، وكان يقول :
أنا حسنة من حسنات أبي بكر .
مرة تعرفون رجل أحب أن يمدحه نفاقاً قال له ما رأينا خيراً منك بعد أبي بكر ، فنظر إليهم نظرةً حادة ،
حتى أن قال أحد الحاضرين لا والله لقد رأينا من هو خير منك ، قال : من هو ؟ قال : أبو بكر قال :
والله كنت أضل من بعيري وكان أبو بكر أطيب من ريح المسك .
الملاحظ أن السلف الصالح كانوا يخافون الموت خوفاً شديداً ، اليوم تلاحظ ملاحظة ترى جنازة تسير
والذين يمشون في الجنازة يتحدثون في الصفقات ، السوق بارد ... وتدخل الجنازة إلى المسجد يقفون
خارج المسجد يدخنون ، يعني وراء الجنازة يمشون .
وقلت البارحة أكثر الناس صلةً بالموت أكثرهم بعداً عن الله عز وجل ، يباع القبر مرتين ثلاثة ، وإذا رأى
قبر فارغ اغتصبه ووضع له شاهدة وكتب توفي ونقطتين ، وثمنه عشرة آلاف ليرة ، أكثر الناس احتكاكاً
بالموت أبعدهم عن الله عز وجل ، المشكلة السلف الصالح كانوا يخافون الموت .
الدرس (078 - 127 ) : اغتنم خمسا قبل خمس.
لفضيلة الدكتور محمد راتب النابلسي بتاريخ: 1998-08-02